جرائم الحرب الإسرائيلية في انتظار العدالة الدولية

Palestinian mourners gather around the bodies of Jihad Esam Shahebar, 10, Fullah Tariq Shahebar, 8, and Wasim Esam Shahebar, 9, during their funeral in Gaza City, Thursday, July 17, 2014. The children were killed by an Israeli missile strike at their house feeding pigeons on their roof in the Sabra neighborhood of Gaza City, the family said. Fierce fighting between Israel and Hamas resumed Thursday, including an airstrike that killed three Palestinian children feeding pigeons on their roof, after a temporary cease-fire that allowed Gazans to stock up on supplies. (AP Photo/Hatem Moussa)
أسوشيتد برس

جرائم إسرائيل في غزة
الإرهاب الإسرائيلي
مقدمات تجريم القادة

مع استمرار المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تبرز أسئلة عديدة بشأن إمكانية تجريم إسرائيل، واقتياد مجرمي الحرب فيها إلى العدالة الدولية.

فتلك المجازر تمّ -ويتم- التخطيط لها من قبل المؤسسة الإسرائيلية بشقيها السياسي والعسكري، وليست كما يشاع مجرد ردة فعل إسرائيلية، بل هي جزء من العقيدة والعقلية الصهيونية والإسرائيلية، وذلك على الرغم من الأهداف الإسرائيلية المعلنة من العدوان، والتي في المقدمة منها تدمير القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، وتدمير الأنفاق، وبالتالي الحفاظ على الأمن الإسرائيلي، حيث يعتبر الركيزة الأهم لإسرائيل واستمرارها كدولة استثنائية مارقة في تاريخنا المعاصر.

جرائم إسرائيل في غزة
ثمة دلائل تؤكد ارتكاب الجيش الإسرائيلي مجازر فظيعة ضد البشر والحجر، لكن الأخطر كان استهداف المدنيين، وبشكل خاص الأطفال في مدارس الأونروا في قطاع غزة، حيث كانوا يعتقدون بأنها ملاذ آمن بحكم تبعيتها الأممية.

المجازر الإسرائيلية المرتكبة في غزة وفي فلسطين عموما تمّ التخطيط لها من قبل المؤسسة الإسرائيلية بشقيها السياسي والعسكري، وليست مجرد ردة فعل، بل هي جزء من العقيدة والعقلية الصهيونية والإسرائيلية

وتشير تقارير دولية وفلسطينية إلى أن الجيش الإسرائيلي دمّر 5250 وحدة سكنية بالكامل خلال الشهر الأول من العدوان على غزة. وبحسب التقديرات الأخيرة لأعداد الشهداء في قطاع غزة، فقد استشهد 1842 فلسطينيا خلال الفترة نفسها من العدوان -منهم أربعمائة طفل و207 نساء و74 رجلا مسنا- بينما بلغ عدد الجرحى 9320 جريحا -منهم 2744 طفلا و1750 امرأة و343 مسنا- فضلا عن ذلك أشارت وزارة الأشغال العامة والإسكان إلى أن حوالي عشرة آلاف عائلة فقدت المأوى بشكل دائم.

وبحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فقد ارتفع عدد الملاجئ التي أنشأتها الوكالة إلى تسعين ملجأ، تضم ما يزيد على 254 ألف نازح، وارتفع عدد المؤسسات التابعة للأونروا -التي تضررت في غزة- ليصل إلى 113 منشأة بعد شهر من العدوان، منها 87 تابعة للأونروا.

ولا يكتفي الجيش الإسرائيلي بتدمير أحياء بأكملها في قطاع غزة، بل يعمد -وفق تأكيدات جهات رسمية وحقوقية- إلى عرقلة مساعي إسعاف الجرحى وإجلاء الضحايا. وتواجه المشافي حالة حرجة في ظل نقص المستلزمات الطبية وضعف المساعدات الخارجية، إضافة إلى تعرضها للدمار جراء القصف المباشر. ووفقا للأونروا، فقد تم إغلاق 44 مركزا للرعاية الأولية من إجمالي مراكزها البالغة 55 مركزا بسبب الاستهداف المباشر وعدم قدرة المواطنين على الوصول إليها.

واستهدف الجيش الإسرائيلي نحو 17 مشفى، تم إغلاق عشرة منها بسبب الدمار الكبير الذي لحق بها أو استمرار تعرضها للقصف، كما استهدف 102 طاقما طبيا، مما أدى إلى مقتل 19 من أفراد الطواقم الطبية والمسعفين، ناهيك عن الاستهداف المباشر لسيارات الإسعاف ومن فيها من أطباء ومسعفين ومنعهم من نقل القتلى والجرحى.

وكان الجيش الإسرائيلي استهدف محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى انقطاع الكهرباء تماما عن القطاع، مما يعرض عشرات الحالات في أقسام العناية المركزة للخطر، وكذلك الأطفال الخدج في الحضانات.

الإرهاب الإسرائيلي
وضح الوجه الحقيقي الإرهابي لإسرائيل التي استخدمت على الدوام سياسة البطش وارتكاب المجازر لتحقيق أهدافها في فلسطين والمنطقة العربية كذلك، وقد لخصت عبارة بن غوريون (أول رئيس وزراء إسرائيلي) "إن الوضع في فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية" أهم المنطلقات الإستراتيجية لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية وإسرائيل، وتنفيذ برامجها التوسعية في فلسطين والمنطقة العربية، فكانت المجازر المنظمة من قبل العصابات الصهيونية والجيش الإسرائيلي في ما بعد ضد أهل القرى والمدن الفلسطينية من أبرز العناوين للتوجهات الصهيونية والإسرائيلية، وخاصة من أجل حمل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل عن أرضهم وإحلال اليهود مكانهم.

لم تقتصر المجازر الإسرائيلية على الفلسطينيين، بل تعدت فظائعها إلى المصريين في سيناء، وضد الشعب اللبناني، خاصة قرية قانا جنوب لبنان عام 1996

ولم تتوقف المجازر الإسرائيلية عند الحد المذكور، بل تعدت ذلك، حيث ارتكب الجيش الإسرائيلي أفظع المجازر ضد المصريين في سيناء، وكذلك ضد الشعب اللبناني وخاصة في قرية قانا في جنوب لبنان في أبريل/نيسان 1996 على سبيل المثال لا الحصر.

ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية، وقتل مزيد من المدنيين -وخاصة الأطفال- فضلا عن تدمير عشرات المنازل يوميا، تثبت إسرائيل أنها دولة الإرهاب المنظم في العالم دون منازع.

ولم تغب صورة الشهداء والجرحى من الذاكرة الإنسانية خلال الانتفاضة الأولى التي سقط خلالها أكثر من ألفي شهيد، وكذلك الحال خلال انتفاضة الأقصى التي انطلقت من باحاته المشرفة في سبتمبر/أيلول 2000، حيث قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من خمسة آلاف فلسطيني -بينهم مئات من الأطفال والنساء والشيوخ- وجرح أربعون ألفا من الفلسطينيين.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى مذكرات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن التي أكد فيها أن المنظمات الصهيونية العسكرية قد قامت بطرد العرب، وهي التي نظمت عملية القتل والطرد.

وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن عدد المذابح التي أمكن تسجيلها وصل إلى 34 مذبحة: منها 24 في منطقة الجليل، وخمس مذابح في وسط فلسطين، وخمس مذابح في منطقة الجنوب. ونفذت 17 مذبحة في ظل وجود القوات البريطانية قبل عام 1948، وقد حصل ذلك دون تدخل يذكر من تلك القوات، كما تشير الدراسات إلى أن 17 مجزرة إسرائيلية منظمة تم ارتكابها بعد انتهاء الاحتلال البريطاني لفلسطين.

ومن أشهر المذابح: دير ياسين، ومجزرة الطنطورة، ومجزرة قرية بلد الشيخ، والصفصاف، وعيلوط، وعرب المواسي، لكن أكبرها كانت مجزرة الدوايمة في قضاء مدينة الخليل.

ويمكن الكشف عن عشرات المجازر الصهيونية في حال الوصول إلى رواة من القرى التي ارتكبت في حقها مجازر، لكنها لم تسجل لأسباب تتعلق بالضعف الإعلامي من جهة وعدم وجود وعي كاف لتسجيل التاريخ الشفوي الفلسطيني، ومن بينه الجزء المتعلق بالمجازر.

يلاحظ متابعو تطور سياقات القضية الفلسطينية أن المجازر كانت من الأدوات الأساسية للحفاظ على إسرائيل وصيرورتها، خاصة أن مشكلة الأمن الإسرائيلي كانت -ولا تزال- الشغل الشاغل لأصحاب القرار في إسرائيل

ومن الوسائل الأخرى التي سرعت في عمليات إفراغ القرى والمدن الفلسطينية من أهلها العرب، كانت الحرب النفسية وأثر الدعاية والإعلام عليها، حيث عمدت العصابات الصهيونية التي ارتكبت المجازر إلى فتح باب الخروج من إحدى جهات القرية لبعض من شاهد المجازر من أجل نشر الروايات حول الترويع الذي حصل بالفلسطينيين كمجزرة دير ياسين في التاسع من أبريل/نيسان 1948، ومجزرة الطنطورة في يوليو/تموز من العام نفسه، ومجزرة بلد الشيخ في سفوح جبل الكرمل في اليوم الأول من عام 1948.

مقدمات تجريم القادة
يلحظ المتابعون لتطور سياقات القضية الفلسطينية أن المجازر الصهيونية-الإسرائيلية لم تتوقف ألبتة قبل أو بعد قيام إسرائيل، حيث كانت من الأدوات الأساسية للحفاظ على إسرائيل وصيرورتها، خاصة أن مشكلة الأمن الإسرائيلي كانت -ولا تزال- الشغل الشاغل لأصحاب القرار في إسرائيل التي أقيمت قبل أكثر من 66 عاما خلت في ظروف دولية وإقليمية استثنائية.

ولم ولن تكون المجازر الإسرائيلية التي ترتكب بحق المدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية -بما فيها مدينة القدس- مجددا نهاية للمجازر الإسرائيلية، بل هي حلقة في سلسلة سياسات ثابتة في العقيدة الإسرائيلية لدفع الفلسطينيين خارج أرضهم وتحقيق أهداف ديموغرافية وإستراتيجية.

وتبعا لما تقدم، تحتم الضرورة انضمام فلسطين إلى مزيد من المنظمات والاتفاقيات الدولية، وفي المقدمة منها الجنايات والعدل الدوليتان، بهدف المطالبة بتجريم إسرائيل جراء المجازر اليومية التي ترتكب بحق المدنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة على مدار الساعة، ومن شأن ذلك أن يكون مقدمة جوهرية لاقتياد مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية وعقابهم على المجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني على امتداد سنوات الصراع العربي الإسرائيلي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.