الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

يوميات رسام كاريكاتير فى المهجر :1"

لم أكن يومًا أديبًا ولا كاتبًا.. ولا حتى حكواتى.. عرفنى القراء رسامًا صحفيًا ومخرجًا فنيًا.. فعمرى كله أمضيته أرسم الكاريكاتير بين جنبات صاحبة الجلالة.. لكن مع رحلاتى المتعددة.. وهجرتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. وجدتنى أكتب وأدون كل ما رأت عيناى وأتذكر.. الأحداث التى تملأ رأسى المزدحم بالأفكار.. فإليكم بعض مما كتبت من الذكريات والأحداث.. لعل ما دونت فى يومياتى يكون زاد المسافر ودليله فى السفر.



الكاريكاتير وساندويتش الفول!

ذات صباح باكر وأنا فى طريقى إلى المدرسة توقفت عند عربة فول كالتى تملأ شوارع القاهرة لأشترى لنفسى ساندويتشًا من الفول اللذيد أتقوت به فى يوم دراسى طويل.. همَّ البائع بتحضير صحن كبير من الفول وأضاف إليه الزيت والتوابل والسلطة وطحين السمسم وخلافه، ليغطى طلبات الزبائن الملتفين حول عربته وهم يراقبون خطوات التحضير وقد سال لعابهم فى مشهد كاريكاتيرى ساخر. 

وما إن انتهى البائع من تجهيزه إلا وسارع بملء أرغفة العيش البلدى الصابح وهم بتغليف كل ساندويتش مع بعض المخللات بورقة جرنال كالمعتاد.. مددت يدى لأخطف أحد الساندويتشات التى يوزعها على زبائنه.

كانت المفاجأة عندما فتحت ورقة الجرنال لألتهم ما بداخلها بعد طول انتظار، لأجد أن ورقة الجرنال التى امتزج حبرها بالساندويتش ما هى إلا تلك الصفحة التى أرسمها أسبوعيًا بالجريدة الفرنسية. والتى كنت قد التحقت بالعمل بها كرسام محترف وأنا فى سن الرابعة عشرة من عمرى!. 

 

 

 

 

والحقيقة أن الصدمة كانت كبيرة بالنسبة لى. وأرقنى كثيرًا فكرة أنى أرسم وأبذل الجهد لأناس لا ترى ولا تقرأ. فقط يأكلون الفول على صفحات الجرنال الذى أرسم به. وظلت هذه الفكرة تسيطر علىَّ لفترة طويلة. إلا أننى الآن أضحك كلما تذكرت هذه الواقعة التى ربما حدثت لى منذ ما يقرب من خمسة وثلاثين عامًا، لا لشيء يذكر سوى أن ما لا يقرؤه أو يشاهده البعض من أعمال عبر صفحات الجرائد، يأكل أحباره فى معدته ممزوجة مع ساندويتشات الفول والطعمية والباذنجان المقلى والبطاطس إلخ.. أى أن أعمالى ببساطة ربما قُرِأت من البعض وربما هضمها البعض الآخر.. ربما فلسفة مضحكة وساخرة.

وبعيدًا عن الهزل المخلوط بالجد.. ومن خلاصة ما قيل.. وصلت إلى نتيجة ومعادلة واحدة.. وهى إنى سأظل أرسم وأكتب.. وأنشر أعمالى هنا وهناك.. حتى وإن كان لديَّ قارئ واحد متابع لأعمالى.. وهناك آخرون.. يهضمونها!.