الطيور المهاجرة..

الحبيبات البلاستيكية وجبة سامة للطيور

لا يستقيم وجودنا دون الطيور الجميلة

نيويورك

يصادف يوم  السبت الاحتفال باليوم العالمي للطيور المهاجرة تزامنا مع دورة هجرة هذه الطيور الموسمية التي تعاني فيها عادة من المخاطر والحوادث ما يجعل العالم يطلق صيحة فزع من أجل حمايتها من الصيد الجائر، والاتجار غير المشروع، وفقدان الموائل، وإزالة الغابات وتغير المناخ والطقس القاسي والتلوث البلاستيكي والمبيدات الحشرية.

ويأتي الاحتفال هذا العام تحت شعار “حماية الطيور.. كن حلا للتلوّث البلاستيكي”، ويسلط الضوء عام 2019 على تأثير تلوّث البلاستيك، والذي بات تراكمه وباء عالميا وتهديدا رئيسيا للطيور في جميع أنحاء العالم ، كما يسلط الضوء أيضا على التهديدات البيئية التي تواجهها الطيور، فضلا عن تعزيز التعاون الدولي لحمايتها.

والطيور المهاجرة هي تلك التي اعتادت إما على الهجرة اليومية، وإما الهجرة الموسمية التي تحدث مرتين في العام، وهي مرتبطة بالتغييرات في درجة الحرارة، أو مستوى هطول الأمطار.

وتقوم أغلبية الطيور  المدارية بالهجرات المحلية، فتهاجر إلى الأماكن الأكثر رطوبة أوقات الجفاف، وتعود إلى ديارها الأصلية مع بداية موسم الأمطار، قاطعة مسافات هائلة، تصل إلى 50 ألف كم في السنة، والبعض يستمر في الطيران دون انقطاع لمدة تصل إلى 100 ساعة مع القدرة على تحديد الاتجاهات.

وتستعمل الحيوانات المهاجرة أكثر من بوصلة في تحديد اتجاهاتها أثناء الهجرة، فيهتدي بعض منها بالشمس نهارا والنجوم ليلا، ويعتقد الكثير من علماء الأحياء، أنها تستعمل المجال المغنطيسي للأرض في تحديد مسارها في الأيام والليالي الملبدة بالغيوم.

ويشير بوريا هيريديا رئيس وحدة الطيور في اتفاقية الأمم المتحدة للأنواع المهاجرة، إلى أهمية حماية الطيور المهاجرة وانعكاس ذلك على البشر، “الطيور المهاجرة توفر خدمات هامة جدا للنظام الإيكولوجي للبشرية، وحمايتها ينبغي ألّا تكون لأسباب جمالية أو ترفيهية فقط، وإنما لأنها جزء من النظام الإيكولوجي، ونحن البشر نرتبط أيضا بصحة النظام الإيكولوجي، لذلك من خلال حماية الطيور نحن أيضا نحمي مستقبلنا”.

وبدأ إحياء اليوم العالمي للطيور المهاجرة في عام 2006، في إطار حملة توعية، وذلك بناء على اتفاقيتين دوليتين، الأولى اتفاقية حفظ أنواع الحيوانات البرية المهاجرة، والثانية الاتفاقية الدولية لصون الطيور المائية المهاجرة. ثم تطورت الحملة من مجرد زيادة الوعي العام إلى وضعها على الأجندة السنوية للاحتفالات العالمية بالبيئة والتنوع البيولوجي بإشراف الأمم المتحدة.

وتهدف الاحتفالية السنوية إلى زيادة الوعي بأهمية الطيور المهاجرة باعتبارها أحد أهم المكونات والمؤشرات المهمة للتنوع البيولوجي، بالإضافة إلى دورها في تنشيط سياحة مشاهدة الطيور كأحد الأنشطة الصديقة للبيئة والداعمة لقطاع السياحة وتطوير صناعة السياحة البيئية.

ويعتبر البلاستيك أكثر المواد استعمالا في العالم  بإنتاج أكثر من 300 مليون طن  تستعمل لغرض مؤقت، لكن مدة حياتها في الطبيعة تتراوح ما بين 20 و500 سنة، وكثيرا ما تموت الطيور بسبب المواد البلاستيكية التي تتناولها من البحر أو من اليابسة.

تجدر الإشارة إلى أن عدد الطيور البحرية التي تموت كل سنة جراء البلاستيك يبلغ حاليا مليون طائر، والرقم في ارتفاع مستمر حيث تبرز بعض الأبحاث أن 90 بالمئة من الطيور لديها بقايا بلاستيك في معدتها محذرة من بلوغ هذه النسبة 99 بالمئة سنة 2050.

هذا الخطر يهدد أيضا الطيور المهاجرة العابرة للبحار والمحيطات، وقد تم في السنة الماضية خلال الاحتفال باليوم العالمي للطيور المهاجرة توحيد ممرات الطيور الرئيسية المهاجرة على كوكب الأرض، أو الخطوط الجوية التي تسلكها الطيور، وهي الممر الأفريقي الأوروآسيوي، وطريق شرق آسيا- أستراليا، والطرق السريعة للأميركتين.

وتنظم الكثير من المنظمات والمؤسسات العالمية في اليوم العالمي للطيور، برامج وأنشطة عديدة، أبرزها المهرجانات والدورات التدريبية والحملات التوعوية، وزيارات إلى مواقع الطيور المهاجرة، لأن هذه الطيور  تعتمد  على مجموعة من المواقع طوال رحلتها، ما يعني أن فقدان هذه المواقع يمكن أن يكون له تأثير كبير على فرص بقاء هذه الحيوانات.

وتحلق هذه الطيور المهاجرة لمسافات طويلة وتعبر العديد من الحدود بين بلدان ذات سياسات بيئية مختلفة، مما يستلزم تعاونا دوليا بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية وغيرها من أصحاب المصلحة على طول خطوط الهجرة حتى يمكن تقاسم المعرفة وتنسيق جهود الحفاظ عليها.

لقمة البلاستيك

لم يعد خافيا أن أغلب كمية النفايات البلاستيكية ينتهي بها الأمر إلى مياه البحر والمحيطات، ما يعني أن آلاف الأطنان من النفايات البلاستيكية تستقر في بطون الأسماك والطيور، بحسب ما تفيد الدراسات والأبحاث التي أثبتت وتثبت أن البقايا البلاستيكية الظاهرة على السطح ليست سوى جزء صغير للغاية من هذه النفايات، لكن الجزيئات البلاستيكية متناهية الصغر تغوص في قاع البحر وتأكلها الأسماك ثم تنتهي إلى بطون البشر وبطون الطيور التي تتغذى على السمك في رحلتها.

ووفقا لبيانات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن غالبية الطيور تهاجر من مناطق التكاثر الشمالية إلى الجنوب في فصل الشتاء وهي في رحلتها تقطع مسافات طويلة عبر البحار. ولكن بعض الطيور التي تولد في الأجزاء الجنوبية من أفريقيا تهاجر إلى مناطق الشتاء الشمالية، أو بحذاء خطوط العرض للتمتع بالمناخ الساحلي الأكثر اعتدالا في فصل الشتاء.

وأشار باحثون إلى أن المستوى القياسي للتلوث في بعض المناطق بلغ 580 ألف قطعة بلاستيكية في الكيلومتر المربع الواحد، مما يشكل خطرا على الطيور التي تبتلع المواد البلاستيكية عن طريق الخطأ وهو ما يتسبب في بعض الأمراض أو حتى الموت.

وحسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، فإن تقديرات إجمالية تذهب إلى أن نحو 9.5 مليون طن من البلاستيك تلقى سنويا في بحار العالم، وقد وجدت في معدة الطيور النافقة نفايات بلاستيكية صغيرة الحجم.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية، فإن 99 بالمئة من الطيور البحرية معرضة لابتلاع جزيئات البلاستيك جنبا إلى جنب مع الغذاء حتى عام 2050.

وكشفت دراسات علمية أسترالية عن أن البالونات تمثل المخلفات البلاستيكية الأكبر خطورة على حياة الطيور البحرية، حيث يزيد احتمال تسببها في نفوق الطيور عن طريق البلع على المخلفات البلاستيكية الصلبة بـ32 مرة.

وقد أشار كريس ويلكوكس أحد الباحثين بالوكالة الوطنية الأسترالية للعلوم، إلى أن الدراسات بينت أن حوالي 90 بالمئة من الطيور البحرية قد ابتلعت البلاستيك، وهو رقم ضخم بالمقارنة بعام 1960 الذي بلغت فيه النسبة 5 بالمئة فقط.

وذكرت الدراسة التي نشرت نتائجها بمجلة “ساينتيفيك ريبورتس” أن نسبة احتمال نفوق طائر ابتلع قطعة بلاستيك واحدة تبلغ 20 بالمئة، وتزيد إلى 50 بالمئة حال ابتلاع 9 قطع، وإلى 100 بالمئة لدى ابتلاع 93 قطعة.

ودرس الباحثون سبب نفوق 1733 طائرا بحريا تنتمي إلى 51 فصيلة، ووجدوا أن طائرا من بين كل ثلاثة ابتلع مخلفات بحرية.

وأوضحت الدراسة أنه رغم أن البلاستيك الصلب يمثل أغلبية المواد البلاستيكية التي تبتلعها الطيور، فإنه يقل احتمال تسببه في نفوق الطيور البحرية بكثير عن المواد البلاستيكية اللينة مثل البالونات.

وقالت لوران رومان الباحثة الرئيسية في الدراسة، إن البالونات أو بقاياها هي المخلفات البحرية التي يرجح أن تتسبب في نفوق الطيور البحرية، وقد تسببت في نفوق طائر من بين كل خمسة طيور بحرية ابتلعتها.

وتوصل باحثون أميركيون إلى أن الرائحة المنبعثة من النفايات البلاستيك قبالة السواحل البحرية تجذب طيور القطرس البحرية لتناولها، ما يفسر موت ذلك النوع من الطيور.

وأشار الباحثون إلى أن الروائح المنبعثة مشابهة لرائحة تعفن الأعشاب البحرية، والناجمة عن تحلل الطحالب والتصاقها بالنفايات والقوارير البلاستيكية العائمة.

وقال الباحث ماثيو سافوكا من جامعة كاليفورنيا، إن الطيور تعتمد على حاسة الشم في العثور على الطعام، “لقد وجدنا مادة كيميائية على البلاستيك تجعل الطيور تعتقد أنها غذاء”.

مخاطر أخرى

تعد الهجرة رحلة محفوفة بالمخاطر وتعرض الحيوانات لمجموعة واسعة من التهديدات، غالبا بسبب الأنشطة البشرية منها الصيد الجائر والاتجار غير المشروع الذي يساهم بصفة كبيرة في تناقص أعدادها.

ورغم تعاهد دول العالم من خلال مواثيق ومعاهدات، على حماية الطيور وخاصة منها المهددة بالانقراض، ومنع الصيد، ومعالجة التي تتعرض منها لأذى أو إصابات، وتربيتها في محميات طبيعية، لها الموائل نفسها، إلا أن اليد البشرية ما زالت تطولها حتى بتنا نجدها وجبة شهية في مطاعم أو معروضة للبيع في الأسواق.

وبما أن الطيور المهاجرة تعتمد على مجموعة من المواقع طوال رحلتها على طول طريقها، فإن فقدان هذه المواقع الناجم عن استصلاح الأراضي والتغيرات في الممارسات الزراعية العالمية، يهدد الطيور المهاجرة في جميع أنحاء العالم.

وقد أشار برادني تشامبرز الأمين التنفيذي لاتفاقية الأنواع المهاجرة، إلى أن الكوكب يتغير بسرعة مع موائل الطيور المتقلصة على طول مسارات الطيران العالمية، ونحن بحاجة إلى العناية بالنظم الإيكولوجية التي تدعم كل الحياة على الأرض. وإذا ما التزمنا بالتنمية المستدامة والحفاظ على الموائل التي نتشاطرها مع الطيور المهاجرة، ستستفيد الحياة البرية والناس على حد سواء، لأن مستقبلها هو مستقبلنا.

ومن بين الاتفاقيات الموقعة بين الدول الأفريقية والأوروبية والآسيوية، اتفاقية صون الطيور المائية المهاجرة، وقال جاك تروفيليز الأمين التنفيذي للاتفاق المتعلق بحفظ الطيور المائية الأفريقية- الأوروبية- الآسيوية المهاجرة، “تلعب الطيور المائية المهاجرة، مثل بط غارغاني التي تصطاد لكسب العيش في منطقة الساحل الأفريقي، دورا هاما في ضمان الأمن الغذائي للسكان في المنطقة.. ويشكل إشراك المجتمعات المحلية لممارسة الصيد المستدام والحفاظ على الطيور المائية وموائلها الرطبة المهددة جانبا أساسيا من أنشطة الرابطة في أفريقيا”.

وهناك اتفاقيات إطارية بين دول إقليمية، مثل اتفاقية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية، في دول مجلس التعاون، التي تهدف إلى المحافظة على النظم البيئية وعلى الحياة الفطرية في حالة سليمة متنامية، خاصة الأنواع المهددة بالانقراض، ولاسيما عند انتشار هذه الأنواع عبر الحدود الدولية، لدولتين جارتين أو أكثر، أو حيثما تهاجر هذه الأنواع عبر تلك الدول.

ورغم هذه المعاهدات، فإن العديد من الطيور المهاجرة ما زالت تعاني من تناقص كارثي رغم أنها تحظى بفرصة القيام برحلات استثنائية أكثر من جميع الحيوانات الأخرى.